العزله عن الناس

العزلة مع النفس: بين الاسترخاء والنفور الاجتماعي في زمن تتزايد فيه الضوضاء الرقمية والمطالب اليومية، يصبح الانعزال مع النفس ـ أي قضاء وقت بمفردك ـ ضرورة لإعادة الشح…

moonzblogger
المؤلف moonzblogger
تاريخ النشر
آخر تحديث


العزلة مع النفس: بين الاسترخاء والنفور الاجتماعي



في زمن تتزايد فيه الضوضاء الرقمية والمطالب اليومية، يصبح الانعزال مع النفس ـ أي قضاء وقت بمفردك ـ ضرورة لإعادة الشحن النفسي. لكن العزلة ليست كلها خيرًا، بل لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية، بحسب الكيفية والمدة والدافع. في هذه المقالة، نستعرض ما المقصود بالعزلة، ما الفوائد والمخاطر المرتبطة بها، وكيف نستفيد منها دون أن تضرّ بصحتنا النفسية.



---


ما هي العزلة مع النفس، وكيف تختلف عن الوحدة؟


العزلة الاختيارية أو الإيجابية هي عندما يختار الشخص أن يكون بمفرده ليعيد التفكير أو يستريح من الضغوط.


الوحدة أو العزلة القسرية هي عندما يُجبر المرء على الانعزال بسبب ظروف مثل البعد الجغرافي، الفقد، أو القطيعة الاجتماعية، دون أن تكون له رغبة حقيقية في ذلك.



العلاقة بين الوحدة (loneliness) والعزلة ليست مطابقة تمامًا: قد يشعر شخص بالوحدة حتى وإن كان محاطًا بالآخرين. 

تُشير الدراسات إلى أن الشعور بالوحدة يُعد مؤشرًا قويًا لمشكلات نفسية وصحية إذا استمرّ لفترات طويلة. 



---


فوائد العزلة الإيجابية


1. إعادة الشحن الذهني وتقليل التوتر

حينما نبتعد مؤقتًا عن الضجة الاجتماعية والتفاعلات المستمرة، يسمح لنا ذلك بالراحة النفسية وتخفيض مستويات التوتر. دراسات تظهر أن بعض أشكال العزلة “المظللة” (أي العزلة مع إمكانية الوصول إلى العالم الخارجي مثل استخدام الهاتف أو القراءة) تكون أكثر فائدة من الانعزال التام لأنها تجنّب الشعور بالانقطاع التام. 

كذلك، بحث نشر في مجلة Scientific Reports وجد أن الوقت وحده يمكن أن يعزز مشاعر الاسترخاء عند استخدامه بوعي. 



2. تعزيز التفكير الذاتي والابتكار

في العزلة يمكن للفكر أن يتجول بحرية، ونطرح أفكارًا قد لا تخطر لنا وسط الزحام والتشتت. السيرة الذاتية لبعض الفنانين والأدباء تشير إلى أن لحظات العزلة ساعدتهم على الإبداع. في البحوث النفسية يُشير البعض إلى أن العزلة المدفوعة برغبة داخلية مرتبطة بالمشاعر الإيجابية أكثر من العزلة المفروضة. 



3. زيادة الاستقلالية وفهم الذات

عندما نكون بمفردنا، نكون أمام أنفسنا بلا مرآة اجتماعية أو ضغوط خارجية مباشرة، مما يعطينا فرصة لمعرفة ما نريد حقًا، تنظيم أولوياتنا، وربما تغيير بعض العادات.





---


مخاطر العزلة الطويلة أو القسرية


1. تفاقم الاكتئاب والقلق

العزلة المزمنة أو الشعور بالوحدة مستمرًا مرتبطان بزيادة في أعراض الاكتئاب والقلق. 

على سبيل المثال، دراسة أُجريت على الشباب امتدت 21 عامًا وجدت أن الشعور بالوحدة في المراحل المبكرة تنبّأ بارتفاع مستويات القلق في البلوغ حتى بعد ضبط عوامل أخرى. 



2. تدهور القدرات المعرفية والوظائف الدماغية

العزلة الاجتماعية مرتبطة بانخفاض في الاجتهاد الذهني، ضعف الوظائف التنفيذية، وزيادة خطر التدهور المعرفي أو أمراض مثل الخرف في كبار السن. 

على سبيل المثال، منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن العزلة الاجتماعية قد تسرع الشيخوخة المعرفية. 



3. آثار صحية جسدية

العزلة المزمنة تُرتبط بزيادة معدلات الأمراض القلبية، ضغط الدم، السكتة الدماغية، وكذلك زيادة في الالتهابات الجسدية. 

مثلاً، جمعية الأطباء الأمريكية تشير إلى أن العزلة الاجتماعية قد ترفع خطر الإصابة بالخرف بنسبة 50٪ تقريبًا، وتزيد خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 29٪. 





---


كيف تستفيد من العزلة دون أن تضرّ بصحتك؟


حدد مدة معقولة: لا تجعل العزلة تمتد لأيام متواصلة بلا تواصل، بل خصّص ساعات محدودة في اليوم أو أيام في الأسبوع.


اختر العزلة الهادفة، لا القسرية: اجعلها اختيارية، وليست هروبًا من المشكلات. العزلة المفروضة غالبًا ما تزيد الشعور بالوحدة والاكتئاب. 


ادمج نشاطًا أو ترفيهًا مفيدًا: القراءة، التأمل، الكتابة الحرة، المشي في الطبيعة — كلها أنشطة تحول العزلة إلى فرصة للنمو.


راقب حالتك النفسية باستمرار: إذا لاحظت أنك تدخل في دوامة حزن أو انخفاض الطاقة، فتواصل مع الأصدقاء أو استشر مختصًا نفسيًا.


وازن بين العزلة والتواصل الاجتماعي: لا تنقطع تمامًا عن العالم؛ احتفظ بعلاقات بسيطة (رسالة، مكالمة، لقاء خفيف).


موقف الاسلام من الموضوع؟

يحين عن أبى سعيد الخدرى أن رجلا أتى النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال أى الناس أفضل فقال : رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال ثم من قال مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد الله ربه ويدع الناس من شره.


وقد استدل بهذا الحديث من ذهب إلى استحباب العزلة وتفضيلها على مخالطة الناس، ولكن التحقيق أن الأصل هو تفضيل المخالطة على العزلة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه الترمذي وابن ماجه.


 وفي مخالطة الناس من المصالح والأجور العظيمة ما لا يوجد مثله في العزلة، وقد تفضل العزلة ولكن في أحوال مخصوصة أو في حق أناس معينين، يقول أبو زكريا النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره).


فيه: دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط ، وفي ذلك خلاف مشهور ، فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ، ومذهب طوائف : أن الاعتزال أفضل ، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب ، أو هو فيمن لا يسلم الناس منه ، ولا يصبر عليهم ، أو نحو ذلك من الخصوص ، وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين ، فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك . وأما ( الشعب ) : فهو انفراج بين جبلين ، وليس المراد نفس الشعب خصوصا ؛ بل المراد الانفراد والاعتزال ، وذكر الشعب مثالا لأنه خال عن الناس غالبا . وهذا الحديث نحو الحديث الآخر حين سئل صلى الله عليه وسلم عن النجاة فقال: " أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. انتهى.


وبهذا تعلم أن الأولى لك أن تبحث عن رفقة صالحة تعينك على طاعة الله تعالى، وتحملك على البر، وتنهاك عن الشر، وهؤلاء الصالحون بحمد الله موجودون لا تخطؤهم عين من طلبهم، وكونك لا تؤثر في من حولك هو مجرد ظن منك، وربما يكون تزيينا من الشيطان، ولو سلم صحته فليس عليك حصول النتائج، وينبغي أن تبذل وسعك في الدعوة والتذكير، وأما شعورك بأن الناس لا يحبونك فهو من هذا الباب، على أن هذا لو كان له حظ من الصحة فإن بإخلاصك لله تعالى واجتهادك في عبادته يصرف الله قلوب الخلق إلى محبتك كما قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا {مريم:96}.


ولتكن مخالطتك للناس فيما يعود عليك بالنفع، فإذا رأيت المخالطة قد تجر إلى ما لا تحمد عاقبته، فحينئذ كن حلس بيتك، والزم العزلة، وضابط هذا أن تخالط الناس في الواجبات كالجمع والجماعات وفي المستحبات، ولا تخالطهم في المباحات إلا بما تدعو إليه المصلحة، وأما فضول المخالطة فتحرص على التخلص منه لما له من ضرر على دين العبد، هذه هي جادة أهل العلم والفضل المطروقة فالزمها ولا تغل أو تجف فيفوتك من الخير بحسب غلوك أو جفائك، وخذ هذا الكلام النفيس للعلامة ابن القيم رحمه الله واجعله ميزانا للعزلة والمخالطة. يقول رحمه الله: إن فضول المخالطة هي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازات، تزول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول، ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينها دخل عليه الشر.

أحدها: من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة، ثم إذا احتاج إليه خالطه هكذا على الدوام، وهذا الضرب أعز من الكبريت الأحمر، وهم العلماء بالله تعالى وأمره ومكايد عدوه وأمراض القلوب وأدويتها الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه، فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كله.


القسم الثاني: من مخالطته كالدواء، يحتاج إليه عند المرض، فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا يستغنى عن مخالطتهم في مصلحة المعاش، وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها، فإذا قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم من القسم الثالث.


وهم: من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه...


القسم الرابع: من مخالطته الهلك كله، ومخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لأكله ترياق، وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس، لا كثرهم الله، وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله الداعون إلى خلافها الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.

المصدر: موقع اسلام ويب.



تعليقات

عدد التعليقات : 0